روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات ثقافية وفكرية | المفهوم الصحيح للعبادة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات ثقافية وفكرية > المفهوم الصحيح للعبادة


  المفهوم الصحيح للعبادة
     عدد مرات المشاهدة: 3163        عدد مرات الإرسال: 0

السؤال:

ما هي العبادة؟

أطرح هذا السؤال؛ لأن بعض الناس أول ما يسمع كلمة العبادة ينصرف فكره إلى الصلاة والصيام وينسى بعض أولويات العبادة، مثل: حسن الخلق وغيره من الأعمال الصالحة، فأرجو توضيح مفهوم العبادة للمسلم.

الجواب:

الحمد لله رب العالمين، وبعد:

العبادة في اللغة: الذل والخضوع والانقياد.

وفي الاصطلاح: اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، واختاره ابن تيمية.

والعبودية كما قال الجرجاني: هي الوفاء بالعهود، وحفظ الحدود، والرضا بالموجود، والصبر على المفقود.

والمفرق بين الطاعة والعبادة كما ذكره أبو هلال العسكري: أن العبادة غاية الخضوع، والطاعة هي الفعل الواقع من العبد.

قال القرطبي: أصل العبادة: التذلل والخضوع، وسميّت بذلك؛ لأن العباد يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله تبارك وتعالى. اهـ.

والعبادة ضرورة؛ لأنها غذاء للروح، فإذا حُرمت الروح غذاءها أصابها ما يصيب الجسد عند الجوع، فيتخبط ويصيبه الجزع والهلع والانحراف، ولذا يلجأ البعيدون عن الله تعالى إلى كل مسكر حتى ينسوا أنفسهم.

والعبادة ضرورة، فهي أداء للأمانة، وذلك بتنفيذ ما أمره الله به، ومن فعل ذلك أدى الله له الأمانة بالحفظ والتوفيق والخير، ومن أصلح فيما بينه وبين ربه، أصلح الله فيما بينه وبين زوجه وولده ودابته، ومن حفظ أمانة الله، حفظ الله أمانته.

وبما أن الحكمة من خلق الخلق عبادة الله تعالى وتقواه، فمن غير الممكن قصرها على ركعات خاشعة يؤديها المسلم خمس مرات في اليوم والليلة، ولا على أيام من العام معدودة يصومها العبد طاعة لله سبحانه، ولا على جزء من المال يدفعه زكاة ليطهِّر بها نفسه وماله، ولا على حج البيت الحرام عند الاستطاعة مرة في العمر، فإن هذه العبادات كلها مع جلالتها لا تستغرق من حياة العبد إلا جزءًا يسيرًا، فهل يُعقل أن يُترك أغلب ساعات عمره وأيام حياته، دون عبادة الله، والله- جل وعلا- إنما خلقه لها؟ إن قصر العبادة في الإسلام على مجرد الشعائر التعبدية، وحصرها في مجرد علاقة العبد بربه، وعدم تعميمها على سائر جوانب الحياة المختلفة، دعوى يدحضها القرآن الكريم، كما قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: من الآية 89].

وكما في توجيهه عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يُصرِّح بذلك في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162- 163]، وتكذِّبها إرشادات السنة المطهرَّة في سائر أمور الحياة، حتى قال أبو ذر رضي الله عنه فيما صحَّ عنه: لقد تركنا محمد صلى الله عليه وسلم وما يحرِّك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علمًا. خرّجه أحمد(1).

ويرد هذه الدعوى أيضًا: التأمل فيما كتبه علماء الإسلام وفقهاؤه من بيان وتوضيح لتشريعات الإسلام وتعليماته في جميع مناحي الحياة.

إن القول بكون العبادة شاملة لجميع جوانب الحياة، قول معلوم من الدين بالضرورة، حتى شهد بها غير المسلمين، كما قال رجل لسلمان الفارسي رضي الله عنه: علّمكم نبيكم حتى الخراءة- يعني: آداب قضاء الحاجة- قال سلمان: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو بعظم. خرّجه مسلم(2).

إذن العبادة شاملة لجميع مناحي الحياة، وهي متعدّدة ومتنوعة، ومنها:

1- عبادة قلبية: وهي الأساس لما بعدها من أنواع؛ لأنه يترتب على الإخلال بها الدخول في الشرك الأكبر أو الأصغر، وسُمّيت قلبية؛ لأنها من قول القلب وعمله، وأعظم العبادات القلبية وأساسها: الاعتقاد بأن الله هو رب العالمين، الذي له الملك والخلق والأمر، والاعتقاد بأن له أسماء حسنى، وصفات حسنى، هي صفات كمال وجمال وجلال، والاعتقاد بأنه هو وحده سبحانه لا شريك له، الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، ومنها: الإخلاص والمحبة والخوف والرجاء والتوكل والخشوع والخضوع والتوبة والإنابة وطهارة القلب، ونحو ذلك.

2- عبادات قولية: سمّيت بذلك؛ لأنها من قول اللسان ولفظه، وأعظمها النطق بكلمة التوحيد، ومنها: الذكر والدعاء والاستعاذة والبسملة والاستغفار، ونحو ذلك.

3- عبادات بدنية: سُمّيت بذلك؛ لأن العبد يؤديها ببدنه، ومن أعظمها: الصلوات، والصيام، والجهاد في سبيل الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى دين الله تعالى، والإحسان إلى الناس، والتحلّي بمكارم الأخلاق من كفٍّ للأذى، وبذلٍ للندى، والابتسامة، والبشاشة، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، وإصلاح ذات البين، وعيادة المريض، وإماطة الأذى عن الطريق، والعمل من أجل كسب لقمة العيش، سوار بالتجارة أو الوظائف، ونحو ذلك، وهكذا عمل الإنسان بعامة، إذا كان في دائرة الشرع، وكل عمل اجتماعي نافع.

وفي حديث أبي الدرداء- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟» قالوا: بلى. قال: «صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة» خرّجه الترمذي وصحّحه(3). وهو صحيح(4).

وفي حديث كعب بن عجرة قال: مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جَلَدِه ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله! لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنْ كان خرج يسعى على ولده صِغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان» رواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح(5). وهو حسن(6).

4- عبادات مالية: وهي التي تعتمد على المال وحده، كالزكاة والصدقات.

5- عبادات بدنية مالية: وهي التي ترتكز على عمل البدن وبذل المال كالحج والعمرة والأضاحي. وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

---------------

(1) مسند أحمد، ط. الرسالة ج35 ص290 رقم (21361).

(2) صحيح مسلم ومعه شرح النووي ج3 ص154-155 رقم (262).

(3) سنن الترمذي رقم (2509).

(4) صحيح سنن الترمذي، للألباني ج2 ص307 رقم (2037).

(5) مجمع الزوائد، للهيثمي ج4 ص325.

(6) صحيح الترمذي، للألباني ج2 ص306 رقم (1692).

الكاتب: جمّاز الجمّاز.

المصدر: موقع المسلم.